أهم كلمات في أول لحظات من رمضان
أمير بن محمد المدري
إمام وخطيب مسجد الإيمان – اليمن
بسـم الله الرحمن الرحيم
في أول لحظات مباركة من هذا الشهر الكريم يُحتّم علينا الكلام عن موضوع هام ،وضروري جداً بغيره الطاعات لا تُقبل بل ترد في وجه صاحبها ،إنه الإخلاص روح الأعمال وجوهرها.
قال تعالى: (( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً )) [الفرقان:23]، قال الربيع بن خثيم: «كل ما لا يراد به وجه الله يضمحل»، ووصى الإمام أحمد ابنه قائلاً: يا بني إنو الخير فإنك لا تزال بخير ما نويت الخير، وسئل حمدون القصار: ما بال كلام السلف أنفع من كلامنا؟ قال: «لأنهم تكلموا لعز الإسلام ونجاة النفوس ورضا الرحمن ونحن نتكلم لعز النفوس وطلب الدنيا ورضا الخلق».
الصيام عبادة تختلف عن سائر العبادات ورفع الإسلام منزلته وميّزه على أنواع العبادات بقوله في الحديث القدسي: «يقول الله عز وجل: الصوم لي وأنا أجزي به»[متفق عليه]، فهل الصلاة ليست لله والعمرة ليست لله وسائر العبادات كلا بل هي كلها لله ،فلماذا الصيام بالذات؟ يقول تعالى: «الصوم لي» لان الصيام فيه تجرد وإخلاص تام ،يستطيع الصائم أن يبالغ في المضمضة فيفطر ولا يشعر به من جواره ، يُمسِك عن الطّعام والشّراب ومواقعَة النّساء مع تذكّره وقدرتِه، لكن يترك كلَّ ذلك لأجل الله، ويعلم أنّ الله يراقِبه ويطّلع عليه، فهي عبادة بين العبدِ وبين ربِّه.
قد يدخل غرفة مظلمة أو زاوية من زوايا بيته يأكل ولا يشعر به احد لكنه يؤمن أن الله يراه حيث كان وهنا يأتي الإخلاص.
فالإخلاص هو التاج على الأعمال، ولكنه ليس ادعاء؛ فإن الإنسان وإن ادعى الإخلاص وصدق الناس بذلك؛ فالله لا تخفى عليه خافية والإخلاص أن يكون قصد الإنسان في حركاته وسكناته وعباداته الظاهرة والباطنة، خالصة لوجه الله تعالى، لا يريد بها شيئاً من حطام الدنيا أو ثناء الناس.
قال الفضل بن زياد سألت أبا عبد الله يعني الإمام أحمد بن حنبل عن النية في العمل، قلت كيف النية: «قال يعالج نفسه، إذا أراد عملاً لا يريد به الناس».
قال أحد العلماء: «نظر الأكياس في تفسير الإخلاص فلم يجدوا غير هذا. أن تكون حركته وسكونه في سره وعلانيته لله تعالى لا يمازجه نفسٌ ولا هوىً ولا دنيا».
«وأنا أجزي به» الله عز وجل هو وحده يجزي على سائر العبادات فلماذا الصيام بالذات يقول فيه :«وأنا اجزي به» ؟
الحسنات تختلف فالحرف من كتاب الله بعشر حسنات، النفقة في سبيل الله بسبعمائة ،لكن الصيام شيك مفتوح من الحسنات من رب العالمين ،لان الصيام حقيقته صبر عن كل ما يفسد الصيام من المفطرات الحسية والمعنوية ،ولذلك قال تعالى عن جزاء الصبر : ((إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ )) [الزمر:10].
الله الله في الإخلاص في الصيام من أول يوم في هذا الشهر الكريم نجدد نياتنا ونجعلها خالصة لله عزوجل ،فالأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها، وإنما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب، فتكون صورة العملين واحدة، وبينهما من التفاضل كما بين السماء والأرض.
تأمل أخي الحبيب حديث الرجل الذي سقى الكلب، وفي رواية: بغي من بغايا بني إسرائيل.فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش، فوجد بئراً فنزل فيها فشرب، ثم خرجه فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي قد بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفّه ماءً ثم أمسكه بفيه حتى رقى فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له، قالوا: يا رسول الله إن لنا في البهائم أجراً؟ فقال: في كل كبد رطبة أجر» [متفق عليه].
وفي رواية البخاري: «فشكر الله له فغفر له فأدخله الجنة».
ومن هذا أيضاً ما رواه مسلم عن عبد الله بن عمرو أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين» ، وفي رواية: «مر رجل بغصن شجرة على ظهر طريق فقال: والله لأنحين هذا عن المسلمين لا يؤذيهم فأُدخل الجنة».
قال شيخ الإسلام رحمه الله معلقاً على حديث البغي التي سقت الكلب وحديث الرجل الذي أماط الأذى عن الطريق قال رحمه الله: «فهذه سقت الكلب بإيمان خالص كان في قلبها فغفر لها، وإلا فليس كل بغي سقت كلباً يغفر لها».
فالأعمال تتفاضل بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والإجلال.
تأمل أخي الحبيب قول النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم :
«من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) [رواه الشيخان]. ويقول صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه». [رواه الشيخان]. ويقول أيضاً صلى الله عليه وسلم : «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه» [رواه الشيخان].
ما الحكمة من تكرارا «إيماناً واحتساباً»، أنه الإخلاص وعظمته في قبول الأعمال، ومعنى قوله: «إيماناً واحتساباً» أي مصدقاً بوجوبه راغباً في ثوابه طيبة به نفسه غير مستثقل لصيامه ولا مستطيل لأيامه.
ولا نعجب ممن يصوم ويصلي مع الناس ومع ذلك لا نجد أثراً للصيام في أعماله وتصرفاته بل يوم صومه وفطره سواء، وسر ذلك أن كثيراً من الناس يصومون ويصلون التراويح مع الناس، لكن فعلهم هذا قد غلبت فيه العادة نية العباد، ولذلك لا نجد للصيام والقيام أثراً في حياتهم قال جابر رضي الله عنه : «إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمآثم، ودع أذى الجار، وليكن عليكم وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم فطرك ويوم صومك سواء».
«إيماناً» : بأن الذي فرض الصيام هو الله سبحانه.. إيماناً بأن الله تعالى لا يفرض شيئاً على الناس يضرهم ويشق عليهم. إيماناً بأن الخير كل الخير في صيام رمضان.. إيماناً بوعد الله عز وجل.. ومن ثم فإن المسلم الحق لا يتضايق عند قدوم رمضان. بل يفرح فرحاً شديداً.. ومن تضايق أو كره ذلك فعليه أن يراجع نفسه فإن في إيمانه خلل.., هذا ينطبق على جميع ما شرع الله تعالى.. يدل على ذلك قوله سبحانه: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُواْ مَا أَنزَلَ ?للَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَـ?لَهُمْ [محمد:9].
أما معنى «احتساباً» : فهو أن يؤمن الصائم بأن جميع ما يقوم به من أعمال وأقوال ، أو ما يلحقه من مشقة في الشهر الكريم مسجل في كتاب يقرؤه يوم القيامة.
فإذاً قوله في صيام رمضان وقيامه وقيام ليلة القدر إيماناً واحتساباً هو سبب حصول ثمرة الصيام، وهو غفران الذنوب وحصول الرضا من الله. وأما من صام لأن الناس يصومون وقام لأن الناس يقومون غافلاً عن إصلاح النية واحتساب الأجر على الله، فهذا قد خسر الخسران المبين.
اللهم ارزقنا الإخلاص في أقوالنا وأعمالنا، واجعلها خالصة لك، صواباً على سنة رسولك ،آمين.
أمير بن محمد المدري
اليمن – عمران